رصدت “دار الخدمات النقابية والعمالية” الانتهاكات التي شهدها عمال مصر خلال عام 2023، حيث بلغ إجمالي حجم الانتهاكات التي تعرض لها العمال خلال ذلك العام وفقا لتقرير أعدته الدار نحو(6241) انتهاكا.
وقالت الدار: إن “الأغلبية العظمى من الانتهاكات تركزت في القطاع الخاص يليه قطاع الأعمال العام، ثم القطاع الحكومي، حيث تنوعت الانتهاكات بين نقل العمال تعسفيّا من أماكن عملهم كعقاب، وتقييد الحرية وتوجيه تهم جنائية، والفصل وتهديد بالفصل وتهديد بالأمن الوطني وامتناع عن دفع الأجر واستدعاء الشرطة وإيقاف عن العمل وطرد العمال خارج مقار العمل وإنذار بالفصل والعنف اللفظي والبدني والتحقيق مع العمال والجزاء المالي للتعبير عن الرأي.
ورصد التقرير كيف استغل رجال الأعمال الأزمة الاقتصادية في الاعتداء على حقوق العمال، وكيف تزامن تراجع حالة الحريات مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية، حيث عرقلت وزارة العمل مشروع تعزيز علاقات العمل ومؤسساتها في مصر، وعطلت عمل لجنة الشكاوى، فأصبح تأسيس العمال لنقاباتهم المستقلة ودونه صعوبات كبيرة.
أزمة أجور ممتدة
وقال تقرير المنظمة الذي صدر أخيرا: إن “العمال يعيشون أزمة أجور تمتد لعقود، حيث لا تحتسب على قدر احتياجاته، وإنما بحسب مزاجية صاحب العمل، وأعلى ربح ممكن له، فالحد الأدنى للأجور الذي بدوره وصل إلى 4 آلاف جنيه، أي ما يوازي 80 دولارا شهريا حسب سعر الدولار غير الرسمي، يطبق فقط في القطاع العام الذي يمثل أقل من ثلث مجموع القوى العاملة في مصر”.
وأشارت في هذا الصدد إلى أن الحد الأدنى للأجور، يتم احتسابه مشمولا بالمقتطع التأميني الذي يفترض أن يدفعه صاحب العمل لا العامل.
واستعان التقرير الأشبه بدراسة وصفية بالعام 2013 كسنة قياس، إذ كان الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه مصري، وكان يعادل 172 دولارا تقريبا، حيث كان الدولار أقل من 7 جنيهات، وعليه فالزيادة في الحد الأدنى التي تروج لها الحكومة أصبحت تعادل 80 دولارا، ليست زيادة حقيقية، بل أوهام تفضحها نسب التضخم التي تآكلت معها الدخول.
أصحاب المعاشات
وكشف التقرير عن معاناة أصحاب المعاشات، الذي يشبه إلى حد كبير وضع العمال الذين يتقاضون أجورا، وأوضح أنه على سبيل المثال من المفترض أن تزيد المعاشات بشكل يرتبط بنسب التضخم، وبقانون واضح، لا قرار سنويًّا من السلطة التنفيذية، إذ تقتصر الزيادة على نسبة الـ 14%، في حين أن نسب التضخم تصل إلى أكثر من 35%.
وأضاف أن هناك حالة من تكريس فجوة معاشات مثل فجوة الأجور، وجاء ذلك في أسوأ صوره بتقسيم القانون أصحاب المعاشات إلى درجات، حيث عِلية القوم أصحاب المادة 27 من رئيس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس النواب ونوابه والمحافظين ونوابهم يحتسب معاشهم بالمعامل الاكتواري 1/10، بينما يحتسب للموظفين والعمال العاديين على أساس 1/45، رغم دفعهما للنسبة نفسها من الاشتراكات.
قانون التامينات
وأكد التقرير أن الدولة ممثلة في النظام القائم نفض يديه من العمالة غير المنتظمة عبر قانون التأمينات نفسه رقم 148 لعام 2019، حيث حرمت الدولة العمالة غير المنتظمة من الحصول على أي معاش مستقبلا، عبر إلزامهم بدفع مبلغ شهريا، وهو ما يعجز عنه أغلبهم، حيث لا دخل، ولا عمل مستقرًا. الحد الأدنى لأجر الاشتراك 2000ج يقوم المشترك بدفع 9% أي يبلغ إجمالي الحد الأدنى لما يجب أن يقوم المشترك بدفعه 200ج في يناير 2024.
وشدد أن الدولة زادا الطين بلة بعد تخلي الدولة عن مسؤولياتها، ورفع الدعم، وتقليص المساعدات الخاصة بها للمواطنين الأكثر فقرا، والمتمثلة في صندوق “تكافل وكرامة”.
وخلال عام 2023 أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قرارا بتحديد الفئات المستفيدة من معاش “تكافل وكرامة” تنفيذا لقرار كان عبد الفتاح السيسي أصدره أوائل مارس 2023 يقضي بزيادة قيمة هذا المعاش المخصص لأفقر فقراء البلاد بنسبة 25%.
وطبقا للقرار المنشور في الجريدة الرسمية، بلغ معاش الأسرة المستفيدة من برنامج “تكافل” 406 جنيهات شهريا، وبلغ معاش المطلقة أو الأرملة أو زوجة السجين 437 جنيها، ومعاش المعاق أو المُسن الذين يستفيدون من برنامج “كرامة” نحو 562 جنيها شهريا، وهي أرقام تجعل متقاضيها من الجوعى، الذين لا يستطيعون تلبية أي بند من بنود الحياة الأساسية بما فيها الطعام، والحقيقة أنه حتى مع هذا المبلغ الزهيد فحجم تغطية الصندوق للفقراء لا يتجاوز 50% منهم.
ومن المعروف أن صندوق التأمينات قد تعرض للنهب منذ سنوات، في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزيره بطرس غالي، الذي ضارب بأموال المعاشات في البورصات العالمية، وضمها لميزانية الدولة.
حتى كان قرار الحكومة منذ أعوام برد أموال التأمينات على دفعات، وفي طريقها لهذا الرد تستعمل كل الوسائل في التضييق على الصندوق، ولا تجعل من أصحابه، أي أصحاب المعاشات ينعمون بأي من نجاحاته.
ويحقق الصندوق فوائض بشكل مستمر، على سبيل المثال حقق الصندوق في 2021 فائضا بنحو 6.28 مليار دولار، حيث بلغت مصروفاته الإجمالية 16.5 مليار دولار، في حين بلغت إيراداته نحو 22.79 مليار.
وضع القطاع الخاص
وعن وضع القطاع الخاص قالت: إن “العمال لا يسمح لهم بإنشاء النقابات التي تحميهم، أو وزارة تراقب عليه، ما يخلق وضعا جائرا يجعلهم من الفقراء، أو على الأقل من المهددين بالجوع، الذين يعملون لساعات طويلة، بلا عائد يقيهم العوز”.
وعبر @CTUWS على (اكس) تضامنت دار الخدمات النقابية والعمالية مع العديد من حالات انتهاكات العمال في القطاع الخاص والعام والحكومي، حيث تضامنت أخيرا مع مطالب عمال شركة يونيفيرسال المشروعة وطالبت وزارة العمل بضرورة التدخل لتطبيق اتفاقية العمل الجماعية التي وقعها صاحب الشركة مع العمال والعمل على تطبيق القانون ووقف مسلسل انتهاك حقوقهم الذي تعددت حلقاته دون رادع.
وأخيرا أيضا تضامنت مع عمال مطاحن شركة الخمس نجوم الصناعية بالسويس الذين بدأوا اعتصاما مفتوحا بمقر المصنع للمطالبة بتعديل المرتبات، بما يتناسب مع الزيادات في الأسعار.
الهبوط إلى القاع
واعتمد التقرير الذي جاء بعنوان “الهبوط إلى القاع” ودار حول حالة الحريات النقابية وما تعرض له العمال من انتهاكات خلال عام 2023 على رصد انتهاك حقوق العمال والتراجع الحاد في أحوالهم المعيشية وتراجع قدرتهم على سد الاحتياجات الأساسية لأسرهم؛ على عدد من المصادر والمعلومات تمثلت في:
– حالات الانتهاكات الفردية والجماعية التي تعرض لها العمال في أماكن عملهم وقامت الدار بمتابعتها وتنظيم حملات بشأنها.
– الشكاوى والبلاغات التي تتلقاها “دار الخدمات النقابية والعمالية” من المضارين مباشرة.
– طلبات المساعدة القانونية التي يتلقاها المكتب القانوني بالدار.
– متابعة ورصد لأهم ما تصدر بالصحف والمواقع الإلكترونية والمقالات والدراسات المهتمة بالشأن العمالي على مواقع التواصل الاجتماعي.
– ماهية أحوال العمال معيشيا، والحدود بينها وبين الفقر؟ هو سؤال مهم سعينا لتضمينه في تقريرنا إجمالا وبشكل خاص في فصلنا هذا.