اقتصاد هش يبيع ديونه لشراء الوقت ..فشل مشاريع السيسي يفتح أبواب مصر أمام استحواذ الأجانب على أدوات الدين ؟

- ‎فيتقارير

في مشهد يعكس هشاشة البنية الاقتصادية في مصر،بزمن المنقلب السفيه السيسى  تجاوزت حيازة المستثمرين الأجانب من أدوات الدين السيادي حاجز 41.3 مليار دولار بنهاية عام 2024، وفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة المالية بحكومة الانقلاب .

ويأتي هذا التوسع في ظل تصاعد القلق بين خبراء الاقتصاد بشأن غموض هوية المؤسسات التي تستحوذ على هذه الأدوات، واحتمالات استخدامها كوسيلة لغسل الأموال، وسط غياب الشفافية والمراقبة الحقيقية.

 

لكن هذه الزيادة اللافتة في حيازة الأجانب ليست مؤشراً على تعافي اقتصادي كما تحاول الحكومة الترويج، بل هي نتاج مباشر لفشل مشاريع كبرى أطلقها النظام الانقلابى بقيادة عبد الفتاح السيسي، دون دراسة جدوى حقيقية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وتفريعة قناة السويس، وشبكة الكباري العملاقة، التي ابتلعت مئات المليارات من الجنيهات دون أن تخلق نمواً مستداماً أو فرص عمل حقيقية.

 

اقتصاد هش يبيع ديونه لشراء الوقت

وفق بيانات وزارة المالية بحكومة الانقلاب ، ارتفعت حيازة الأجانب من أدوات الدين من 38 مليار دولار في الربع الأول من 2023 إلى 41.3 ملياراً في ديسمبر 2024، مدفوعة بسلسلة من الإصدارات الحكومية لأذون وسندات الخزانة بهدف ضخ العملة الصعبة في السوق، وتعزيز الاحتياطي النقدي للبنك المركزي.

 

لكن الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي حذّر من هذه الآلية، مؤكداً أنها "ليست حلاً بل جزء من الأزمة"، موضحاً أن "الاقتصاد القوي لا يحتاج للاقتراض من خلال الأموال الساخنة، التي يدخل بها المستثمرون الأجانب السوق المصرية لتحقيق أرباح سريعة ثم يخرجون بمجرد تغيّر الفائدة أو ظهور توترات في الأسواق".

 

الصاوي تساءل عن هوية المؤسسات الأجنبية التي تتدفق على سوق الدين المصري، مشيراً إلى إمكانية تورط بعضها في عمليات غسل أموال أو أنها واجهات لدول خليجية تريد استثمار أموالها بعيداً عن شكل الودائع أو المساعدات المباشرة، من خلال شراء الدين المصري بهدف الربح لا الدعم.

 

الديون تقفز… والنتائج تنحدر

ارتفعت قيمة الاستثمار الأجنبي في سندات الخزانة طويلة الأجل إلى 8.3 مليارات دولار في نهاية 2024 مقارنة بـ1.6 مليار فقط في منتصف العام نفسه، وهو ما يكشف عن اعتماد الحكومة المتزايد على هذه الآلية. وبحسب بيانات البنك المركزي، قفزت حيازات الأجانب من أذون الخزانة من 12.7 مليار دولار إلى 35.5 ملياراً في إبريل 2024، بنسبة زيادة تخطت 180% خلال أقل من عام.

 

يوم 18 مارس الماضي وحده، ضخ الأجانب والعرب 1.23 مليار دولار في السوق الثانوية للدين، فيما وصل صافي مشترياتهم خلال أسبوع إلى 2.5 مليار دولار. وفي المجمل، بلغ استثمار الأجانب في أدوات الدين المحلي خلال عام 2024 حوالي 18.2 مليار دولار، منها 14.6 مليار دولار لصناديق أجنبية، و3.5 مليارات للعرب.

 

مشاريع بلا عائد… والديون تتكاثر

يرى محللون أن هذه الأرقام الصاعدة في مديونية مصر تعكس إفلاس الرؤية الاقتصادية للنظام الحالي، الذي ضخ استثمارات ضخمة في مشروعات بلا مردود إنتاجي حقيقي، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، التي تُقدّر تكلفتها بأكثر من 58 مليار دولار، دون أن تمثل أي قيمة مضافة للاقتصاد الحقيقي، أو تسهم في تحسين معيشة المواطنين.

 

ويؤكد اقتصاديون أن توسيع شبكة الكباري، وتفريعة قناة السويس التي ابتلعت 8.5 مليار دولار، لم تؤتِ أُكلها، بل تسببت في المزيد من الأعباء على كاهل الدولة، حيث تم تمويل هذه المشاريع عبر الاستدانة من الداخل والخارج، ما أدى إلى تفاقم العجز وزيادة الحاجة إلى الاستدانة مجدداً لسد فجوات النقد الأجنبي.

 

احتياطي النقد الأجنبي "وهمي"

تستهدف  حكومة الانقلاب من وراء هذه القروض الأجنبية المؤقتة زيادة المعروض من الدولار وتثبيت سعر الصرف، لكن وفق ما يؤكده الصاوي، فإن هذه الزيادة لا تعني بالضرورة قوة الاقتصاد، بل هي أشبه بـ"شراء وقت إضافي"، لأن الاحتياطي يجب أن يُبنى من موارد ذاتية كالصادرات وتحويلات المصريين في الخارج، لا عبر بيع الديون.

 

ويحذر الصاوي من أن استمرار مصر في هذا المسار يعزز تبعيتها للأسواق الخارجية، ويجعل سيادتها المالية رهينة لتقلبات قرارات الفيدرالي الأميركي أو توجهات صناديق الاستثمار الدولية.

 

هل تتكرر الأزمة؟

يشير محللون إلى أن الإقبال الأجنبي الحالي على الديون المصرية، رغم ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي، يعود إلى ارتفاع العائد على أذون الخزانة قصيرة الأجل، والتي بلغت نحو 91 يوماً، حيث يفضّل المستثمرون الفترات القصيرة للهروب السريع حال حدوث تقلبات. لكن هذا "الزخم المؤقت" قد ينهار مع أي ارتباك جديد في الأسواق العالمية، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية وفرض إدارة ترامب المحتملة لقيود جديدة على حركة رؤوس الأموال.