سجّلت قناة السويس تراجعاً غير مسبوق في إيراداتها خلال العام 2024، بنسبة بلغت 61% مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 3.991 مليارات دولار فقط، مقابل 10.250 مليارات دولار في 2023، وفق ما أعلنه رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع بسلطة الانقلاب .
الانخفاض الحاد جاء على خلفية التحولات الجيوسياسية في البحر الأحمر، نتيجة هجمات جماعة الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل، وهو ما أجبر العديد من شركات الملاحة العالمية على تحويل مساراتها عبر رأس الرجاء الصالح، متجنبة المرور بالقناة.
ورغم محاولة الهيئة تصوير الوضع بشكل إيجابي عبر الإشارة إلى تحسن طفيف في مؤشرات مارس/آذار الماضي، إلا أن الواقع يُظهر انهياراً حاداً في عدد السفن العابرة، من أكثر من 26 ألف سفينة في 2023 إلى نحو 13 ألفاً في 2024.
تفريعة السيسي.. استثمار بلا عائد؟
الصدمة الأكبر تتمثل في أن هذا التراجع التاريخي يأتي بعد أقل من تسع سنوات على افتتاح "تفريعة قناة السويس الجديدة" عام 2015، التي كلفت الدولة ما لا يقل عن 8 مليارات دولار، وجرت تعبئة الرأي العام حولها باعتبارها مشروعاً قومياً سيضاعف دخل القناة.
لكن أرقام السنوات الأخيرة تكشف فشلاً ذريعاً في تحقيق هذا الهدف؛ إذ لم تتجاوز الإيرادات حتى في أفضل أحوالها (2023) مستوى 10.2 مليارات دولار، أي أقل من ضعف إيرادات عام 2014 قبل التفريعة (نحو 5.5 مليارات دولار)، وهو ما يعني أن الزيادة السنوية لم تكن كافية لتعويض تكلفة المشروع نفسه، فضلاً عن عدم تحقيق وعود "مضاعفة الدخل".
ويعلق الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق المعتقل بسجون السيسى فى تصريحات صحفية سابقة إن "تفريعة السيسي كانت مشروعاً سياسياً استعراضياً أكثر منها مشروعاً اقتصادياً مدروساً"، مضيفاً أن "القناة لم تكن بحاجة لتوسعة عاجلة، بل لإدارة رشيدة تعظّم العائدات وتعيد هيكلة رسوم العبور وسياسات الصيانة".
من المستفيد من إيرادات القناة؟
رغم تصدير الحكومة لرواية مفادها أن قناة السويس تمثل "شريان الاقتصاد المصري" ومصدراً رئيسياً للعملة الصعبة، فإن المصريين لا يلمسون انعكاساً مباشراً لذلك في حياتهم اليومية، ولا سيما في ظل تفاقم أزمة التضخم وتراجع قيمة الجنيه.
ويطرح مراقبون تساؤلات متكررة حول مصير عوائد القناة، خاصة في ظل هيمنة المؤسسة العسكرية على إدارة الهيئة، وتصاعد الحديث عن توجيه جزء من الإيرادات لتمويل أنشطة اقتصادية مملوكة للجيش، لا تخضع للمساءلة أو الرقابة البرلمانية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي فى تصريحات صحفية سابقة إن "هناك غياباً كاملاً للشفافية بشأن أين تذهب إيرادات القناة، ولا توجد تقارير معلنة توضح نصيب الموازنة العامة منها، أو كيف يتم توزيع العائدات بين الأجهزة المختلفة".
دعوات دولية لإعادة النظر في الإدارة
في أكثر من مناسبة، طرح صندوق النقد الدولي ودول مانحة تساؤلات بشأن إدارة الأصول السيادية الكبرى في مصر، وعلى رأسها قناة السويس. وكان الصندوق قد طالب سابقاً بـ"تحسين الحوكمة وزيادة الشفافية في إدارة الشركات والهيئات العامة"، وهو ما فُهم ضمنياً كمطالبة بإبعاد الجيش عن إدارة الاقتصاد.
وذكرت تقارير إعلامية دولية، مثل صحيفة فايننشال تايمز ووكالة رويترز، أن "المؤسسات المالية الدولية قلقة من غياب الشفافية في إدارة قناة السويس، ما قد يعيق جذب المستثمرين، ويزيد المخاطر السيادية".
وتشير هذه الدعوات إلى أن نجاح مصر في تأمين التمويلات الدولية مستقبلاً قد يرتبط بمدى استعدادها لـ"إصلاحات هيكلية" تشمل تحرير إدارة الممر الملاحي الأهم من السيطرة الأمنية، واعتماد نهج إداري اقتصادي بحت.
من يحمي قناة السويس؟
على المستوى السياسي، أكدت الحكومة المصرية أنها تسعى لضمان استمرار الملاحة الدولية عبر القناة، وتبني موقفاً متوازناً في الأزمة القائمة في البحر الأحمر. إلا أن مراقبين يرون أن الدور المصري بات هامشياً، وأن القناة صارت رهينة للتحولات الإقليمية، دون أن تملك الدولة أدوات فعالة للحماية أو التفاوض.
كما أن غياب خطة بديلة أو صندوق للطوارئ خاص بالقناة، يكشف مدى هشاشة اعتماد الاقتصاد المصري على مورد لا يتحكم بالكامل في ظروفه.
في الخلاصة:
تفريعة قناة السويس لم تحقق وعودها بزيادة مضاعفة في الدخل.
الإيرادات انهارت في 2024 بنسبة 61%، دون وجود خطة إنقاذ واضحة.
لا توجد شفافية بشأن مصير العوائد، وسط هيمنة الجيش على إدارة الهيئة.
صندوق النقد الدولي يطالب بإصلاحات هيكلية في إدارة الأصول السيادية.
القناة باتت عرضة للتقلبات الإقليمية دون حماية استراتيجية.
يبقى السؤال الأهم: هل آن الأوان لإخراج القناة من العباءة العسكرية وإدارتها بشفافية كأصل وطني يخدم كل المصريين؟
