في مشهد متكرر يكشف حجم الارتهان المالي والسياسي لنظام الانقلاب في مصر، وقع مصطفى مدبولي، رئيس حكومة السيسي، الأحد الماضي، صفقة جديدة تقتطع من جسد الوطن قطعة ثمينة من أجمل شواطئه بالبحر الأحمر.
الصفقة التي أُطلق عليها إعلاميًا "قرن البحر الأحمر"، تستهدف تحويل منطقة "خليج سوما" إلى نسخة مشوهة مما سُمّي بـ"موناكو مصر"، عبر مشروع عقاري سياحي فاخر على مساحة 2380 فدانًا (10.2 مليون متر مربع) بشراكة إماراتية–سعودية، بتمويل يقدر بـ900 مليار جنيه (20 مليار دولار).
نصف الأرض للعبار ونصفها للشربتلي والشبكشي
المشروع يقسم الكعكة بين محمد العبار، مؤسس شركة "إعمار" الإماراتية (50%)، ورجلي الأعمال السعوديين حسن شربتلي وفهد الشبكشي (50% الأخرى) عبر شركة "سيتي ستارز"، بينما غابت أي تفاصيل عن نصيب مصر، سواء في ملكية الأرض أو نسب الأرباح، وهو نفس الغموض الذي اكتنف صفقة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي.
وبحسب ما أُعلن، سيضم المشروع "مراسي لليخوت، فنادق ومنتجعات فاخرة، ومناطق تجارية وترفيهية"، مع وعود بجذب 4 ملايين سائح سنويًا واحتضان 400 علامة تجارية عالمية. لكن وراء هذه العناوين البراقة تكمن حقيقة مرة: بيع أرض مصر للأجانب مقابل فتات، مع تحويل الشعب المصري إلى مجرد عمالة رخيصة في خدمة المستثمرين.
مشروع قديم يُبعث من جديد
فكرة المشروع ليست وليدة اللحظة، إذ تعود إلى أكثر من 13 عامًا عندما أعلنت "سيتي ستارز" السعودية نيتها إقامة مجمع سياحي ضخم بخليج سوما. وبعد تعثر طويل، جاء السيسي ليحيي المشروع في إطار موجة بيع الأصول للأجانب، مدفوعًا بأزمة ديون خانقة تجاوزت 156 مليار دولار في الربع الأول من 2025.
ويخطط لتنفيذ المشروع على 6 مراحل، تبدأ في 2026 بتشغيل تجريبي في 2028، وصولًا إلى اكتمال المشروع عام 2037، ليصبح أول توسع لـ"إعمار" على ساحل البحر الأحمر بعد "مراسي الساحل الشمالي" و"أب تاون كايرو".
بيع لا استثمار.. وديون تلتهم العوائد
الإعلام الموالي للنظام روّج للصفقة باعتبارها "انتعاشة للاقتصاد المصري"، لكن التجربة السابقة مع صفقة "رأس الحكمة" فضحت الحقيقة.
فقد اعترف وزير المالية نفسه، مطلع 2025، بأن عوائد الصفقة ذهبت لسداد جزء من فوائد وأقساط الديون، بدلًا من تحسين معيشة المصريين أو تنمية الاقتصاد الإنتاجي. وهو ما يخشى مراقبون أن يتكرر مع "مراسي ريد"، حيث تتحول أموال البيع إلى مجرد مسكنات للديون الخارجية، بينما تبقى مصر غارقة في العجز والاقتراض.
أسئلة بلا إجابات
لم توضح الحكومة المصرية:
كم حصلت مقابل الأرض؟
هل للدولة نصيب من أرباح المشروع؟
ما الفرق بين هذه الصفقة وصفقة "رأس الحكمة"؟
لماذا تغيب الشفافية وتُدار الصفقات بعيدًا عن أعين البرلمان والشعب؟
أسئلة مشروعة تطرحها المعارضة والشارع المصري، بينما يكتفي النظام بالتسويق الإعلامي للمشروع باعتباره "إنجازًا" جديدًا.
تطبيع مقنّع وتبعية متزايدة
لا يغيب عن المراقبين ارتباط العبار بعلاقات دعم واضحة للاحتلال الإسرائيلي، حيث كشفت تقارير عبرية في 2021 عن تبرعه بـ170 مليون دولار لمشاريع داخل الكيان. وهو ما يثير مخاوف من تغلغل إسرائيلي غير مباشر عبر بوابة الاستثمارات الخليجية، في ظل سياسة السيسي التي تفتح الأبواب للأجانب على حساب السيادة الوطنية.
مصر تُختزل إلى أراضٍ للبيع
المشهد يتكرر: من "رأس الحكمة" إلى "خليج سوما"، وصولًا إلى طرح أراضٍ جديدة مثل "رأس بناس" و"رأس جميلة"، في ظل تصريحات حكومية عن حصر أراضي البحر الأحمر تمهيدًا لبيعها.
ويقول معارضون إن ما يجري ليس "استثمارًا"، بل بيع مقنن لأصول استراتيجية، تحت غطاء الفنادق والمنتجعات، بينما يغيب الاستثمار في الصناعة أو التكنولوجيا أو البحث العلمي، القادر على بناء اقتصاد حقيقي.
تحول البحر الأحمر إلى موناكو جديدة"
بينما يروج إعلام السيسي لمشروعات "مراسي ريد" باعتبارها "تحول البحر الأحمر إلى موناكو جديدة"، يرى مراقبون أن الحقيقة الصادمة هي أن النظام يواصل بيع الوطن قطعة قطعة لسداد الديون وتمويل بقائه في السلطة، في وقت يزداد فيه الفقر، وتتراجع فيه قيمة الجنيه، وتُختزل مصر إلى مجرد سوق عقارات مفتوح للمستثمر الخليجي والإسرائيلي.