حرب الإبادة الصهيونية والعملية البرية التى تشنها دولة الاحتلال على مدينة غزة وتهجير سكانها تفضح الحكام الخونة فى مصر والأردن وفى دول الخليج كما تفضح كافة الأنظمة العربية والاسلامية التى عقدت قبل أيام قمة طارئة فى الدوحة ولم تجرؤ على اتخاذ قرار بقطع العلاقات مع الكيان الصهيونى أو طرد السفراء الأمريكان من دولهم أو الإعلان عن دعم المقاومة الفلسطينية لمواجهة حرب الإبادة التى يزعم الحكام الخونة إدانتهم لها ويطالبون المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما من المنظمات الدولية التى تهيمن عليها الولايات المتحدة بوقف اطلاق النار فى غزة وادخال المساعدات الإنسانية لأهالى القطاع .
لكن الواقع يؤكد أن هذه الدول تقف فى صف الصهاينة والأمريكان ضد مصالح شعوبها وضد القضية الفلسطينية عبر تنفيذ الإملاءات الأمريكية وعدم اتخاذ موقف ضد جرائم الاحتلال .
ويتجاهل الحكام الخونة ان التطورات الدامية الحالية تدفع بغزة إلى مرحلة هي الأخطر منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، حيث يتقاطع الميدان العسكري مع مسارات سياسية إقليمية ودولية معقدة… فبينما تصر دولة الاحتلال على المضي قدماً في اجتياحها البري لتحقيق أهدافها العسكرية المعلنة، تتصاعد المخاوف من تحولات دراماتيكية تطال الأمن الإقليمي برمته، بدءاً من احتمالات التهجير القسري للفلسطينيين وصولاً إلى تهديد استقرار الحدود المصرية والمنطقة بأسرها.
جريمة كبرى
في المقابل، دعت الخارجية الفلسطينية إلى تدخل دولي عاجل لوقف ”الجريمة الكبرى بحق سكان غزة”، وأكدت حركة حماس أن توسيع الهجمات البرية الصهيونية يمثل “فصلًا جديدًا من فصول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”، ودعت المنظمات الدولية إلى تحرك عاجل لحماية للمدنيين ووقف التصعيد.
وعلى المستوى الدولي أبدى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان قلقًا متزايدًا بشأن الأدلة على ارتكاب جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية بحق المدنيين، مطالبا دولة الاحتلال بوقف فوري للهجوم ونبذ استهداف المدنيين، بينما وجه الاتحاد الأوروبي والأطراف الغربية تحذيرات جديدة من التصعيد وتفاقم الوضع الإنساني الكارثي، وطالب بفتح ممرات إنسانية وإتاحة والسماح بدخول المساعدات لسكان القطاع .
يشار إلى أن العملية البرية داخل غزة جاءت عشية زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى الكيان الصهيونى ما اعتبره مراقبون بأنه أعطى ضوء أخضر أمريكي للتوسع في العدوان على القطاع وتنفيذ سيناريو التهجير القسري.
إدارة ترامب
في هذا السياق قالت محللة الشؤون السياسية والأمنية الأمريكية إيرينا تسوكرمان، إن معركة غزة تمثل نقطة محورية في الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط، فهي ليست مجرد مرحلة عابرة من الصراع، بل نقطة تتقاطع فيها بؤر التوتر الإقليمية، ما يضع إدارة ترامب أمام تحدي الموازنة بين التحالف الاستراتيجي مع دولة الاحتلال والضغوط الدولية المتصاعدة بشأن الأوضاع الإنسانية.
وكشفت إيرينا تسوكرمان فى تصريحات صحفية أن واشنطن تنظر إلى الهجوم على غزة باعتباره جهدًا حاسمًا لتفكيك البنية العسكرية لحركة حماس، وترى أن استمرار سيطرة الحركة على مركز القطاع يعرقل أي مسار للتطبيع مع الدول العربية أو ضمانات أمنية لدولة الاحتلال ، ولذلك تركز الإدارة على دعم الكيان الصهيونى تحت شعار “حق الدفاع عن النفس”، معتبرة أن تدمير قيادة حماس وبنيتها التحتية شرط أساسي لأي استقرار لاحق، بحسب تعبيرها.
وأشلرت إلى أن صناع القرار الأمريكيين يدركون في الوقت ذاته مخاطر الحرب والتوغل الميداني داخل القطاع، حيث الكثافة السكانية العالية تجعل من القتال في غزة عملية محفوفة بالمخاطر. وتخشى واشنطن أن تؤدي العمليات المطوّلة إلى ارتفاع الضحايا المدنيين وتآكل الرصيد الدبلوماسي العربي، ما قد يقوّض التعاون الإقليمي ويفتح المجال أمام حرب ضد السياسة الأمريكية، ولهذا تضغط الإدارة على دولة الاحتلال لضبط إيقاع العمليات وفتح ممرات إنسانية، مع تجنّب أي خلاف علني قد يؤثر على وحدة التحالف.
النفوذ الأمريكي
وشددت إيرينا تسوكرمان على أن الجانب الإنساني يثقل كاهل البيت الأبيض، إذ تدرك الإدارة أن صور الدمار والضحايا في غزة تشعل الغضب الشعبي في العواصم العربية وتضع شركاءها الإقليميين مثل نظام السيسي والأردن تحت ضغط داخلي، لذلك تعتمد واشنطن مقاربة مزدوجة تقوم على دعم الأهداف العسكرية الصهيونية، بالتوازي مع الدفع لوقفات إنسانية وإدخال مساعدات وإجلاء المدنيين، سعيًا إلى تقليل المعاناة دون تعطيل زخم العمليات.
واعتبرت أن معركة غزة تشكل أيضًا اختبارًا لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، حيث تطالب الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات، بضبط التكتيكات الصهيونية، بينما تنتظر دولة الاحتلال دعماً غير مشروط، وتستغل الإدارة هذه اللحظة لتأكيد قدرتها على التأثير في الطرفين، معتبرة أن انهيار حماس سيعيد فتح الباب أمام إعادة الاصطفاف الإقليمي بما في ذلك التطبيع السعودي الصهيوني .
وزعمت إيرينا تسوكرمان أن واشنطن، رغم دعمها العميق لدولة الاحتلال عبر المعلومات الاستخبارية والأسلحة والدعم اللوجستي، تضع حدودًا واضحة لهذا الدعم. فإذا تجاوزت الخسائر المدنية في غزة سقفًا يثير انفجار الشارع العربي، أو تجاهلت دولة الاحتلال الخطوط الإنسانية الأمريكية، قد تضطر الإدارة إلى إعادة تقييم موقفها بفرض شروط على التسليح أو الدفع نحو وقف لإطلاق النار.
لحظة فاصلة
وفي السياق الداخلي، لفتت إلى أن البيت الأبيض يدرك أن معركة غزة تؤثر في المشهد السياسي الأمريكي، إذ تثير استقطاباً بين مؤيدين لدولة الاحتلال ومدافعين عن حقوق الإنسان، لذلك تحرص الإدارة على خطاب مزدوج: دعم قوي لدولة الاحتلال ، مع إظهار اهتمام بالبعد الإنساني للحفاظ على التأييد الحزبي المزدوج في الكونجرس.
وشددت إيرينا تسوكرمان على أن واشنطن تتعامل مع العملية باعتبارها لحظة فاصلة: فإذا نجحت دولة الاحتلال في تفكيك حماس، ستسعى الولايات المتحدة للانتقال سريعاً إلى مرحلة “ما بعد القتال”، عبر إطلاق خطط لإعادة الإعمار، وآليات لإدارة مدنية محلية بعيدة عن الفصائل، ومشاركة عربية في التمويل والخدمات. أما إذا تحولت الأزمة إلى حرب عصابات طويلة الأمد، فستركز واشنطن على سياسة “الاحتواء” والضغط من أجل وقفات إنسانية منتظمة، مع استمرار الدعم العسكري لدولة الاحتلال .
دولة مارقة
وقال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن تزايد العمليات العسكرية الصهيونية في قطاع غزة في هذا التوقيت يشير إلى عدة مؤشرات رئيسية، أولًا أن دولة الاحتلال ماضية في مسارها العسكري، حيث يسبق العمل العسكري أي خطوة سياسية في الوقت الحالي، ثانيًا، هناك تقدم واضح نحو احتلال مدينة غزة بالكامل، فحتى الآن وصلت قوات الاحتلال إلى نحو 60٪ من مساحة القطاع، وتتبقى مساحات محدودة .
وأكد فهمى فى تصريحات صحفية أن دولة الاحتلال تمثل دولة مارقة، تتجاوز قواعد القانون الدولي وتخالف الإجراءات المعمول بها مشيرا إلى أن المواطن الفلسطيني في غزة يواجه واقعًا صعبًا، إذ لا يوجد أمامه أي أفق سياسي: المفاوضات متوقفة، ودولة الاحتلال مصممة على استمرار التهجير ، كما أن الاتصالات المتعلقة بالهدنة متعثرة، إضافة إلى قضية الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، كل ذلك يضع المواطن أمام خيار التفكير في الرحيل إذا توفرت له الإمكانيات، خاصة في ظل تمويل بعض المنظمات اليهودية لهذه العمليات .
وشدد على ان دولة الاحتلال تسعى لتهجير المدنيين، مطالبا حكومة الانقلاب بممارسة ضغوط على الكيان الصهيونى للحفاظ على التوازن وحماية المدنيين في القطاع وعدم تهجيرهم نحو الحدود المصرية .