طرحت صحيفتا "فورين أفيرز" و"لوفيجارو" – وهما دوريتان من أشهر الصحف والمجلات في الغرب (أمريكا وأوروبا)- رؤيتهما لعقد من الربيع العربي واتهمتا موقف الغرب في التعامل مع متطلبات الشعوب العربية في الحرية والعيش الكريم بانتهازية وإعلاء المصالح على القيم الإنسانية والديمقراطية.
ففي افتتاحية "لوفيجارو"، قالت إن العقد الأخير فرض درسا قاسيا في الواقعية على الغربيين، الذين اعتقدوا أنهم صدروا نموذجهم الديمقراطي في منطق “نهاية التاريخ” – قبل أن يرى أنه هو نفسه كان في أزمة.وأضافت أن الغربيين اعتقدوا أن التدخل العسكري هو الأنسب في ليبيا، لكنهم فشلوا في إصلاح ما تم تخريبه في هذا البلد، متجاهلين درس المغامرات الأمريكية في أفغانستان والعراق. وأشارت إلى ما حدث في سوريا من نمو "وحش داعش" و"خلافته، قائلة: "كان من الضروري أن يُقطع رأسه، ما أوصلنا بحكم الأمر الواقع، ولكن دون قول ذلك، إلى المصالحة مع القادة المستبدين القادرين على وضع غطاء على هذا المرجل الذي يغلي".
وعن التطلعات الشعبية لمزيد من الديمقراطية وظروف معيشية كريمة ومطالب سياسية واقتصادية واجتماعية لم تتم الاستجابة لها في أي بلد، اعتبرت الصحيفة الفرنسية أنها كانت نارا ومحنا بقولها: "إن الوهم الذي وُلد من هذه المحن ليس على استعداد للاختفاء"، مضيفة "فبعد عشر سنوات، مازال هذا الحريق مشتعلا، بل إنه تمدد بشكل متقطع من الجزائر إلى لبنان". ووظفت الفشل الذي مني به الربيع العربي وكان الغرب جزءا منه، في أن ادعائها أن "الانتخابات لم تسفر في أي بلد من بلدان “الربيع العربي” عن نظام ديمقراطي يعهد إلى إداريين أكفاء. بل بدلاً من ذلك، قادت الانتفاضات إلى الحرب الأهلية والإسلاموية (مصطلح فرنسي جديد) أو إلى عودة الجيش، وأحيانا الثلاثة معا".
الأمريكان والثورات
وقال تقرير لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إن "جهود إدارة أوباما ثبت عدم فعاليتها وفتورها وتركت الناشطين يشعرون بالخيانة والحلفاء يشعرون بتخلي أمريكا عنهم. وأدى ترددها بالتدخل في سوريا ومحاولتها عقد اتفاقية نووية مع إيران لتهميش حلفاء أمريكا الديكتاتوريين الذين بدأوا يتصرفون وبشكل مفتوح ضد سياسات أمريكا كما هو واضح من تصرف الإمارات والسعودية".
وأضاف محلل المجلة إلى الدور السلبي لأوباما تجاه المنطقة، مشاركة ترامب هذه الدول احتقارها للديمقراطية وموقفها من إيران إلا أن سياسته لم تكن فاعلة وبدت واضحة في تردده للرد على الهجمات الإيرانية ضد المنشآت النفطية السعودية، موضحا أن إدارة ترامب لم يكن لديها سياسة واضحة في معظم قضايا المنطقة.
وأعتبر المحلل أنه تلاشي الدور الأمريكي أفسح المجال لـ"حكام المنطقة" بمواجهة نظام إقليمي جديد بأنفسهم. وبعض معالم هذا النظام الإقليمي الجديد واضحة، فموت حل الدولتين كان متوقعا، أما النزاع السني- الإيراني فاتبع نفس الخطوط القديمة. فقد زادت إيران من دعمها لجماعاتها بالمنطقة خاصة في سوريا والعراق محتفظة بتأثيرها الإقليمي رغم خروج ترامب من المعاهدة النووية وإستراتيجية الضغط القصوى عليها. وأشارت إلى أن أبرز ما في مرحلة ما بعد الانتفاضات هو زيادة خطوط الصدع داخل العالم السني والتي امتدت من الخليج ودول المشرق وشمال إفريقيا.
إسبرطة الجديدة
ورغم أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون، مارك لينتش محلل "فورين أفيرز" وجه لترامب أصابع الاتهام بـ"الاعتماد على الأنظمة المستبدة آملا تجاهلها الرأي العام وعقد صفقات تطبيع مع إسرائيل. وكانت اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين الأخيرة مع إسرائيل هي تأكيد لهذا النهج"، إلا أنه تجاهل الدور الذي تلعبه أبوظبي "إسبرطة الجديدة" الواضح في نتائج فشل الربيع العربي، وقال "في غياب الولايات المتحدة أو هوسها بإيران دخل الطامحون للقيادة في العالم العربي مثل قطر والسعودية وإيران وتركيا حروبا بالوكالة. ودعمت هذه القوى المتنافسة جماعات وكيلة لها في كل دولة شهدت ربيعا عربيا وحولت التنافسات المحلية إلى تنافس إقليمي. وكانت النتيجة مدمرة: تشرذم كل من مصر وتونس وانهيار ليبيا ما بعد القذافي وتقسيم سوريا".
وخلص "لينتش" إلى أنه "بعد عشرة أعوام تصدعت واجهة النظام الديكتاتوري العربي في ثورة الجزائر والسودان والعراق ولبنان. وكانت هذه الأحداث مثيرة للدهشة، ألا يفترض أن يجلب الطغاة الاستقرار؟ أليس الشارع العربي مهزوما ومتعبا ويائسا؟ وما بدا وكأنه نهاية تحول إلى دورة جديدة بلا نهاية". وأوضح أن "الأنظمة التي تتباهى بجلب الاستقرار هي مصدر عدم الاستقرار. وكان فسادها وفشلها في الحكم وانتهاكها لحقوق الإنسان مصدر الثورات. وهناك موجات قادمة مع عوامل جديدة للثورة مثل كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط وتراجع التحويلات من العاملين في دوله". ورأت أن "الدرس الواضح من 2011 أن الثورة قد تظهر من لا مكان، مع أن ثورات المستقبل لن تشبه الربيع العربي الأول، فقد تعلمت الأنظمة الدرس وجهزت نفسها ولن تتردد عن استخدام العنف. وبنفس السياق تعلم الثوريون أن الانضباط والالتزام يمكن أن يقودا للتغيير. وفي عالم عربي متغير جدا عما كان قبل 2011 ورأي عام غائب وإعلام متحزب ومحاور متصارعة فبذور الانتفاضة المقبلة حاضرة".