الجدل في الأوساط المصرية، لارتباطها بتاريخ ميلاد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، ومنذ انطلاقها تسارعت وتيرة الاستيلاء على سلاسل الصيدليات الشهيرة والناجحة بقوة المخابرات، ومنها سلسلة صيدليات رشدي وغيرها، في نهم شديد من أجل التحكم في سوق الدواء المصري.
ومع تزايد الشراء على المكشوف للصيدليات والسلاسل الدوائية والإدارة بالفهلوة العسكرية لسوق الدواء ، تفاقمت المشكلات المالية للسلسلة الجديدة، التي سعى الانقلاب للترويج لها عبر الأذرع الانقلابية الإعلامية، كعمرو أديب الذي خرج على المصريين في آخر حلقات برنامجه "إيه الحكاية" مبشرا المصريين بلقاء حصري مع ابن السيسي، وسط تهليل من الكتائب الإلكترونية بأن مالكها هو محمود نجل عبد الفتاح السيسي ليخرج الدكتور محمود السيسي، وهو ليس ابن السيسي، ليتحدث عن الشركة الجديدة وأهدافها التوسعية بالسوق المصري.
وقررت الدائرة الرابعة في محكمة القضاء الإداري الأربعاء، تأجيل نظر قضية استحواذ "الشركة المتحدة للصيادلة" على سلسلة صيدليات 19011 المملوكة لشركة "ألفا لإدارة الصيدليات" التي أنشأتها المخابرات بغرض احتكار سوق الدواء، غير أنها سرعان ما واجهت فشلا ذريعا نتيجة تراكم مديونياتها، إلى جلسة 7 يوليو المقبل لتقديم صورة رسمية من الحكم بإفلاسها.
وقضت المحكمة الاقتصادية في مصر بإفلاس شركة "ألفا" المالكة لسلسلة صيدليات 19011، وتعيين أمين عام للتفليسة لاستلام جميع أموال الشركة، وتحصيل حقوقها، وسداد التزاماتها، مع وضع أختام على مقرات الشركة الواردة في السجل التجاري، من مركز رئيسي وفروع ومخازن في المحافظات المختلفة، والتحفظ على أموالها الثابتة والمنقولة إلى حين الانتهاء من جردها.
وتعرضت شركة "ألفا لإدارة الصيدليات" لخسائر فادحة وتراكمت الديون عليها لصالح البنوك وشركات توزيع الدواء، ما نتج عنه الاتفاق مع "الشركة المتحدة" على استحواذ سلسلة صيدليات "كير" التابعة لها على عدد كبير من فروع سلسلة 19011 مقابل تصفية ديونها، فضلا عن استحواذ شركات أخرى، مثل "كريم فارما" و"ابن سينا فارما"، على فروع مملوكة لها مقابل مديونياتها لدى الشركة.
من جهته، أقام الصيدلي والمحامي هاني سامح دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، طالب فيها بمنع استحواذ "الشركة المتحدة" المالكة لسلسلة صيدليات "كير" على صيدليات 19011، بسبب حظر ملكية الشركات للصيدليات بموجب القانون، أو امتلاك شخص واحد أكثر من صيدليتين حماية للصيادلة من الممارسات الاحتكارية.
وأوردت صحيفة الدعوى أن شركة "ألفا" المالكة لصيدليات 19011 استحوذت وأدارت أكثر من 300 صيدلية في مصر، في مخالفة صريحة لأحكام قانون مزاولة مهنة الصيدلة، إثر حصولها على مبالغ ضخمة من البنوك في صورة قروض، الأمر الذي تسبب في انهيارها سريعا، وتكالب أصحاب الديون عليها.
وأضافت الدعوى أن "الشركة المتحدة" التي تسيطر على نحو 40% من سوق توزيع الدواء في مصر، استحوذت بدورها على عدد كبير من سلاسل صيدليات 19011، وغيرت مسماها إلى صيدليات "كير" كأحد حلول التسوية للمديونية بينهما، غير أن المحكمة الاقتصادية قضت بإشهار إفلاس شركة "ألفا"، وتعيين قاض للتفليسة، واستلام أموال الشركة المفلسة، وإدارتها، وإخطار البنك المركزي بذلك، وهيئة الرقابة المالية، والبورصة المصرية.
وكان المئات من العاملين في سلسلة صيدليات 19011 قد أضربوا عن العمل في فبراير الماضي، على خلفية تأخر صرف رواتبهم للشهر الثالث على التوالي، ما حدا ببعض الصيادلة المسؤولين عن فروعها في محافظتي القاهرة والجيزة إلى غلقها في وجه العملاء.
وانتقلت ملكية عدد كبير من صيدليات 19011 من ثلاثة صيادلة شبان يمثلون واجهة للمخابرات، إلى "الشركة المتحدة" المستحوذة على حصة كبيرة من سوق الدواء، بفعل تراكم الديون على صيدليات 19011، وتراجع مبيعات فروعها من جراء النقص الشديد في أصناف الأدوية، وعدم توافر السيولة النقدية لدى الإدارة.
وعانت سلسلة صيدليات 19011 سريعا من أزمة "نواقص الأدوية" بسبب رفض شركات التوزيع توفير الأدوية للسلسلة لمديونياتها المتراكمة، حيث اتبعت إدارتها سياسة توسعية تعتمد على شراء الصيدليات المحملة بالديون، وتشغيل ما يزيد على 200 فرع لها خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز العامين، بعد اتفاق إدارة السلسلة مع شركات الأدوية على السداد بنظام "الآجل".
يذكر أن صيدليات 19011 اقتحمت سوق الدواء في مصر بالاستحواذ على سلسلة صيدليات "رشدي" المحملة بديون لدى البنوك تتجاوز المليار جنيه، وهو ما سبقه الاستحواذ على سلسلة صيدليات "علي ايمدج"، وسط حملة دعائية غير مسبوقة في سوق الدواء، بهدف تخطي سلسلة صيدليات "العزبي" العاملة في البلاد منذ سبعينيات القرن الماضي، وتمتلك نحو 150 فرعا.
وأثار ظهور رئيس مجلس إدارة سلسلة صيدليات 19011 نعيم الصباغ، برفقة اثنين آخرين من الصيادلة، في حلقة متلفزة مع الإعلامي الموالي للنظام عمرو أديب، في سبتمبر 2019، حالة من الغضب لدى الرأي العام المصري، بعدما تهكم الصباغ على محاولات الشباب المستمرة للبحث عن فرصة عمل مناسبة، بقوله "اللي وصل 35 سنة من الشباب، ولسه فقير، يستاهل يفضل فقير".
ويعبر عن الإفلاس لأكبر سلسلة صيدليات بمصر عما وصل إليه اقتصاد مصر من تدهور وأزمات، نتيجة العسكرة واستعمال النفوذ العسكري في إدارة الاقتصاد المصري، ويقدم نموذجا واضحا للفشل العسكري في التعاطي الاقتصادي ، وأن العسكر لا ينجحون إلا في السيطرة فقط، والاستحواذ بالقوة الامنية وقوة الأمر العسكري، أما الإدارة الاقتصادية فهو ما لا ينجخون فيه مطلقا، إذ أن مشاريع الجيش جميعها لا تقوى على المنافسة الشريفة أو قواعد الشفافية الاقتصادية، إنما بالأمر المباشر واستعمال الجنود بنظام السخرة، وتمرير المناقصات بالأمر العسكري وليس بالجودة أو التنافسية الاقتصادية.