د. محمود الرنتيسي يكتب: الثبات السياسي في ضوء آية من سورة الأنفال

- ‎فيمقالات

قال تعالى في سورة الأنفال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، (45).

لقد جاء الخطاب هنا للفئة المؤمنة التي تواجه فئة معادية في معركة ليست عادية لأن الحديث هنا ليس عن دخول حرب اعتيادية بل عن مواجهة فئة متحالفة ومنسجمة مع بعضها البعض ومجهزة. وقد جاء الأمر بشيئين الثبات وذكر الله كثيرا. وهما زاد النصر وأهبته، ومن عوامل النصر الحقيقية كما يقول سيد قطب رحمه الله.
إن الثبات هو بدء الطريق إلى النصر فأثبت الفريقين أغلبهما، ولذلك لا يتم النظر إلى المعاناة في صفنا فحسب فهناك معاناة قد لا نعلم عمق أبعادها في صف عدونا. وهو لا مدد له من رجاء في الله بل نحن هنا أرجى لله منه، وحرصه على الحياة أكبر منا فهو أدعى لأن يتنازل لنا لذلك جاء الأمر هنا فاثبتوا!.

والثبات أنواع فمنه ثبات ميداني لجنود المعركة وقادتها العسكريين ومنه ثبات سياسي لمفاوضيها ولقيادتها السياسية أمام ما يطرح من مشاريع. ومنه ثبات اجتماعي في معركة الاحتياجات بكافة أبعادها، وتأتي كلمة فاثبتوا توجيها على الثبات ويفهم منها هنا كل أنواع الثبات المعنوي والمادي لأن  آيات أخرى تحدث عن الثبات المادي وتثبيت الأقدام. ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا: ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).

والثبات في علم النفس هو قدرة النفس على الاحتفاظ بالنشاط الإراديّ الذي يتطلَّبه العمل الطويل.

وحتى عند عدم اتزان موازين القوى يستمر هذا النداء في مواجهة الفئة القليلة المؤمنة للفئة الكثيرة الكافرة ولكنه يتصل مع ذكر الله كثيرا.

فالاتصال بالله هو القوة التي لا تغلب. الله هو القوة الأكبر في هذا الكون وهي معركة لتكون كلمته هي العليا.
إن الثبات في المواقف التفاوضية يحمي المصالح ويحقق الأهداف ويبني الثقة، وبفضل الله يوجد لحركتنا تاريخ مشرف في الثبات التفاوضي ورفض الضغوط أثبتت التجارب أيضا أن الحركة كانت تخرج أقوى وأكثر ثقة وحماية للقضية ولمصالح شعبنا بعدها.

لا يتعارض الثبات مع المناورة والمرونة في الأطر المرسومة والتي تشمل خداع العدو واستدراجه ولكنه يتعارض مع التراجع في المجالات الاستراتيجية والتي تبني مرحلة مستقبلية تتناقض مع المباديء والأهداف.

يستخدم عدونا أساليب كثيرة لهز الثبات تتمثل في مبادرات لا يمكن أن يمررها إلا في ظل هزيمة نفسية فيستخدم التهديد والوعيد ويتلاعب بالعواطف ويأتي تارة بأثواب الناصحين والواقعيين.

ولمن يتابع كرة القدم فإنه سيجد أن مدربا حكيما ولاعب كرة قدم محترف يجيب عندما يسألونه عن المباريات القادمة قبل دخوله لمباراة حاسمة بأن تركيزه منصب على أدائه في المباراة وليس على نتيجتها حاليا وليس على ما بعدها. فكيف بالمعارك الحاسمة!!!

إن الحديث عن المواقف من الحلول السياسية والمبادرات السياسية قبل تبين نتيجة لمعركة يضعف بلا شك الموقف التفاوضي والأسوأ منه أنه قد يجرئ العدو على التمادي في تصعيد النزاع لفرض إرادته.

ويوجد في التاريخ نماذج من ذلك ففي الحرب العالمية الأولى تحدثت بريطانيا وفرنسا عن شكل الحل قبل انتهاء الحرب مما أدى إلى خلافات أدت لإطالة أمد الحرب. وحتى حول القضايا الداخلية وشكل الحكم الداخلي تم الحديث عن الحكومة الاتحادية والكونفدرالية وشكل الحل السياسي قبل انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية مما أدى لتصعيد النزاع. ولعل أكثر الأمثلة وضوحا هو مفاوضات السلطة مع الاحتلال والحديث عن شكل الدولة قبل انتهاء المعركة بين شعبنا والاحتلال وأين أودت بشعبنا وماذا كانت نتائجها.
ويقول القرطبي في تفسيره اذكروا الله كثيرا اذكروا الله فإن ذكره يعين على الثبات. والعجيب هنا كما يقول الشيخ الشعراوي أن صفة الكثرة جاءت مقترنة مرات عديدة مع الذكر (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) (كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا). والأعجب أن الذين لا يذكرون الله إلا قليلا هم المنافقون والذين في قلوبهم مرض وهؤلاء لن يكونوا ثابتين وسيقومون بالاهتزاز عند أي مبادرة أو ضغط ماكر من العدو الذي يكون يعيش أصعب أوضاعه.

إن الله هو خالقنا والعالم بنفوسنا وكيف تتعامل عند لقاء الفئات العسكرية وقد أمر بالثبات والذكر الكثير له. لسنا وحدنا في المعركة واالله على كل شيء قدير.

…………

 نقلا عن “مركز الشهود الحضاري”