فى سياق مأساة الديون التى لا تتوقف فى زمن الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي كشف البنك المركزي المصري، أن الدين الخارجي للبلاد ارتفع 3.5 مليار دولار في الشهور الثلاثة المنتهية في ديسمبر الماضي وارتفع إجمالي الدين الخارجي إلى 168 مليار دولار من 164.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2023 ومن 162.9 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2022.
وقال البنك المركزي، إن الدين الخارجي، و82.5 في المئة منه دين طويل الأجل، يعادل 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
في سياق متصل، أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن انخفض إلى 32.5 في المئة في أبريل الماضي من 33.3 في المئة في مارس 2024، وذلك في تباطؤ أكبر بعض الشيء مما توقعه المحللون.
وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار 1.1 في المئة في أبريل الماضي، مقارنة مع واحد في المئة في مارس 2024،وتراجعت أسعار المواد الغذائية الشهر الماضي 0.9 في المئة على أساس شهري، غير أنها ارتفعت 40.5 في المئة على أساس سنوي.
كان نظام الانقلاب قد اعلن عن سداد أكثر من 869.1 مليار جنيه (18.28 مليار دولار) خلال العام المالي الماضي المنتهي في يوليو 2023، ديوناً محلية وأجنبية مقابل 525 مليار جنيه (11 مليار دولار) في السنة المالية السابقة 2021-2022.
وكشفت وثيقة صادرة عن لجنة الخطة والموازنة بمجلس نواب السيسي ، تتضمن مراجعة الحساب الختامي للسنة المالية 2022-2023 أن حجم أعباء خدمة الدين خلال السنة المالية الماضية سجل 1.6 تريليون جنيه (33.6 مليار دولار) بنسبة 16.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 10.10 تريليون جنيه (210 مليارات دولار)، مقابل 1.1 تريليون جنيه (21 مليار دولار) خلال السنة المالية السابقة 2021-2022 التي سجل فيها الناتج المحلي الإجمالي 7.9 تريليون جنيه “166 مليار دولار”.
عجز الميزانية
من جانبه اعتبر الباحث الاقتصادي والسياسي، مصطفى يوسف، بلوغ حجم الدين المحلي أكثر من 170 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي عبئا كبيرا على الاقتصاد المصري، مؤكدا أن هذا الارتفاع في الدين يُؤثّر على قدرة حكومة الانقلاب على الاستثمار في مجالات أخرى ضرورية للنمو الاقتصادي.
وقال يوسف فى تصريحات صحفية : تمديد آجال الديون يمكن أن يخفف الضغط على خزينة دولة العسكر ويوفر مزيدًا من السيولة النقدية في الوقت الحالي، لكن يتطلب الأمر اتخاذ خطوات جادة لمعالجة مشكلة الدين وضمان استدامة المالية العامة .
وأضاف أنه من خلال تمديد آجال الديون، يمكن تفادي مخاطر العجز في السداد وتفادي الانخفاضات المالية المفاجئة التي قد تحدث في حالة عدم قدرة البلاد على سداد الديون في الوقت المحدد، موصحا أن تمديد آجال الديون يمكن أن يساهم في تأمين التمويل اللازم لتغطية عجز الميزانية وتمويل النفقات الحكومية الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية لكن السؤال إلى متى يستمر هذا التمديد .
رهن القناة
وأكد المستشار الاقتصادي، أحمد خزيم، أن خطط حكومة الانقلاب لبيع ديونها، ليس لها علاقة بالاستثمار كما تروج له حكومة الانقلاب، موضحا أن دولة العسكر المدينة التي عملت بشكل عشوائي، والتي أطلقت أكبر برنامج في عام 2016 للإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي دون أي رؤية لمستقبل الاقتصاد، كل همها هو الاستدانة، وما تطرحه من حلول هو المزيد من الاقتراض، ولم تستطع أن تنتج من استخدام هذه القروض العوائد التي تسدد بها فوائد وأقساط تلك القروض .
واعتبر خزيم فى تصريحات صحفية أن من أخطاء تلك السياسة بعد نحو 10 سنوات، هو عرض كل أصول دولة العسكر للبيع من أجل سداد تلك القروض، كل هذا يحدث دون عرضه على لجان اقتصادية متخصصة أو حوار مجتمعي، ويأتي في وقت تعاني فيه 3 من أهم موارد دولة العسكر الدولارية من التراجع، وهي : تحويلات المصريين بالخارج والسياحة وإيرادات قناة السويس بسبب توترات باب المندب .
وحذر من توجه حكومة الانقلاب للتوريق، قائلا: إذا كانت حكومة الانقلاب ترى أنها قادرة على توريق الأصول أو عوائد الدولار، عليها التوجه إلى نادي باريس وطلب خفض الدين أو إعادة جدولته، وليس هناك طريق آخر لحل أزمة دولة العسكر بخلاف هذا .
وقال خزيم : طبقا لوثيقة حكومة الانقلاب فإن أصلا من الأصول سوف يرهن ولا يوجد أصل كبير مثل قناة السويس، وباقي الإيرادات الدولارية ليست أصولا مثل السياحة؛ لأنها شركات خاصة وتحويلات المصريين هي قطاع أهلي والصادرات كذلك قطاع خاص، ماذا لو تعثر كالعادة .. مؤكدا أن نظام الانقلاب سيضطر فى النهاية إلى رهن قناة السويس .
أصول سيادية
وقال الدكتور أشرف دوابة خبير اقتصادى ان نظام الانقلاب يسير في اتجاه توريط البلاد فى الديون ولا مفر بالنسبة له من هذا التوجه مشيرا إلى أن مصر أصبحت أكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، بمبيعات للسندات بقيمة 73 مليار دولار خلال عام 2022، وهذا يعنى أنها ارتضت بهذا عملية الديون كوسيلة من وسائل ترقيع ديونها.
وأعرب دوابة فى تصريحات صحفية عن أسفه لأن نظام الانقلاب لا يستخدم الديون لتحقيق قيمة مضافة حقيقية أو مشروعات إنتاجية، مؤكدا أن هذا النظام قرر مواصلة الاستدانة لترقيع ديونه السابقة، وبذلك أصبحت الاستدانة هدفا للحيلولة دون التوقف عن سداد فوائد وأقساط الدين.
وعن المقابل الذي يمكن أن يقدمه الانقلاب لمشتري السندات الدولية، أكد أن العائد المميز الذي يمنحه الانقلاب من أعلى العوائد العالمية، متوقعا أن يتجه السيسي لبيع بعض السندات والرهونات لمؤسسات حكومية، وما لا يباع يكون وسيلة لضمان هذه الديون.
ولفت دوابة إلى أن الأمر سيصل لقناة السويس وغيرها من أصول سيادية مضيفا: لا نستطيع الجزم الآن بهذه التحركات، ولكن الشيء المغري الآن للمستثمر الأجنبي، هو العائد المصري الجذاب الذي لا يمنع لاحقا من تقديم أصول كضمانات لأجل الديون السيادية
وحذر من خطورة أن تصبح مصر أكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، موضحا أن الخطورة بعد مرحلة معينة ألا تجد ما يمكنها من سداد الديون وفوائدها ما يؤدي للإفلاس كنتيجة محتملة، وإذا استمرت هذه السياسة، شيء طبيعي أن تحدث فقاعة وتحدث انفجارا.
وتساءل دوابة : إذا كانت هناك دول تُعين نظام الانقلاب مثل السعودية والإمارات، فمن يساعد على سداد أعباء الديون؟ وما بالنا إذا لم يجد من يسدد التزاماته والتوقف عن الدفع والذهاب لنادي باريس لجدولة ديونه محذرا من أن الأمور في هذه الحالة ستزيد اشتعالا وتأثيرها على المواطن سيكون كبيرا؛ لأن تأثير ذلك مباشر على عجز الموازنة، ودولة الانقلاب ستضطر لفرض ضرائب أكثر.
وأوضح أن الدين سلاح ذو حدين إذا جرى استخدامه جيدا بمشروعات إنتاجية حقيقية تشغل العمالة وتعطي إنتاجا يسدد الدين نفسه، فيكون إيجابيا مع تحفظنا على موضوع سعر الفائدة لأنه ربا مشيرا الى أنه إذا جاءت الاستدانة لترقيع ديون أخرى أو وضع هذه الديون بأمور لا تحقق قيمة مضافة مثل بناء العاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات الفنكوشية، فإن كل هذا له تأثير سلبي على البلاد.