في مشهد يعكس استمرار خضوع نظام الانقلاب لإملاءات الشركات الأجنبية، طالب المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي حكومته، الأحد الماضي، بسرعة سداد مستحقات شركات البترول الأجنبية العاملة في مصر، التي بلغت نحو خمسة مليارات دولار بنهاية 2024، مبرراً ذلك بأنه خطوة لـ"تعزيز مصداقية الدولة وترسيخ الثقة في مناخ الاستثمار".
إصرار السيسي على إرضاء الأجانب بسداد مليارات من مستحقاتهم، بينما يغرق المصريون في موجات الغلاء وانعدام الخدمات، يكشف أن النظام لا يعمل إلا لصالح الخارج وحاشيته. وما قصة "مستحقات الشركات" إلا غطاء سياسي لرفع الدعم واستنزاف ما تبقى من جيوب المصريين، فيما تذهب الثروات الوطنية والمكاسب الريعية إلى العاصمة الإدارية، ومستشارين فاسدين، وولاءات مشتراة بالمال العام.
لكن خلف هذه اللغة المكررة، يطرح مراقبون أسئلة جوهرية:
هل تمثل هذه الدعوة كلمة السر لرفع أسعار الكهرباء والمحروقات مجدداً، تحت ذريعة الوفاء بالتزامات الدولة تجاه الشركاء الأجانب؟
ولماذا يصر السيسي على سحب أموال وإيرادات وزارة البترول – باعتبارها وزارة ريعية – لصالح مشروعاته غير ذات العائد، مثل العاصمة الإدارية والقطار الفاخر؟
نهب منظم وإرهاق للناس
الواقع يشير إلى أن الإيرادات المتحققة من قطاعات البترول والغاز لا تذهب لتطوير المنظومة أو تخفيف أعباء المواطنين، بل تتسرب في اتجاهين أساسيين:
تمويل مشروعات السيسي التي يصفها خبراء بأنها "استعراضية" لا تعود بالنفع على الاقتصاد الحقيقي.
رواتب ومكافآت جيش من المستشارين المفروضين على الوزارات من الجيش والشرطة والقضاء، في إطار سياسة شراء الولاءات وضمان عدم انقلاب مراكز القوى عليه.
بين ضغوط إسرائيلية وارتهان خارجي
تزامن اجتماع السيسي مع مصطفى مدبولي ووزير البترول كريم بدوي، مع تسريبات عن تهديدات إسرائيلية بقطع الغاز عن مصر، عقاباً على نشر قوات إضافية في سيناء. وهو ما يكشف هشاشة الوضع الاستراتيجي، بعدما تحولت مصر من مصدّر للغاز إلى مستورد يعتمد على الغاز الإسرائيلي بشكل أساسي.
فمصر تستورد اليوم نحو 890 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز من إسرائيل، بزيادة 59% خلال يوليو الماضي فقط، ضمن اتفاق ضخم قيمته 35 مليار دولار يمتد حتى 2040. هذا الارتهان جعل القرار الإسرائيلي أشبه بـ"سلاح ضغط" على النظام المصري.
الأسعار مرشحة للانفجار
التحليل الأهم أن سداد مليارات الدولارات لشركات البترول الأجنبية لن يتم إلا من جيوب المصريين، عبر زيادات متوقعة في أسعار الكهرباء والغاز والبنزين، لتبرير خروج هذه الأموال تحت لافتة "الوفاء بالالتزامات". وهو ما يعكس المعادلة الثابتة منذ سنوات: الشعب يتحمل الفاتورة، بينما تستفيد شركات أجنبية ومجموعة ضيقة من المنتفعين حول السيسي.
نهب الإيرادات الريعية
لا يكتفي السيسي بذلك، بل يواصل سحب إيرادات وزارات "ريعية" مثل البترول والكهرباء والسياحة لصالح مشاريعه غير ذات الجدوى وعلى رأسها "العاصمة الإدارية"، التي تحولت إلى بئر بلا قاع لابتلاع أموال المصريين. والأخطر أن جزءاً كبيراً من هذه الإيرادات يُبدد في صورة مكافآت للمستشارين الذين يفرض السيسي على الوزارات تعيينهم من الجيش والشرطة والقضاء، في محاولة لشراء ولائهم وضمان عدم الانقلاب عليه، بينما يبقى المواطن هو الضحية الوحيد.
بيع الوهم للمصريين
بينما يروّج السيسي لمصر كمركز إقليمي للطاقة، تكشف الأرقام أن إسرائيل أصبحت المصدر الرئيسي للغاز إلى مصر، حيث استوردت القاهرة 890 مليون قدم مكعبة يومياً في يوليو الماضي، بزيادة 59% عن الشهر السابق. وهذا يعني أن كل حديث عن "الاكتفاء الذاتي" ليس سوى وهم سياسي لتجميل الصورة أمام الرأي العام، فيما الحقيقة أن مصر رهنت مستقبلها الطاقي لإسرائيل والشركات الأجنبية.