تجاهل أمن مصر القومى تجنبًا لإغضاب الإمارات.. السيسي يتجنّب ذكر المثلث الحدودي الجنوبي في لقائه بالبرهان

- ‎فيتقارير

 

تجنّب رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي الإشارة صراحة إلى المثلث الحدودي الجنوبي (منطقة جبل العوينات بين مصر والسودان وليبيا) خلال لقائه بالفريق أول عبد الفتاح البرهان في أكتوبر 2025، رغم أن القضية كانت حاضرة بقوة في خلفية اللقاء.

ورجّح محللون أن تجنّب السيسي التطرق إلى الملف يأتي في ظل سيطرة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على أجزاء من المثلث، ما تسبب في توتر بين السودان وليبيا. وأشاروا إلى أن السيسي كان قد التقى خليفة حفتر قبل لقائه بالبرهان، في العلمين، خلال يونيو ويوليو الماضيين، في محاولة لاحتواء التصعيد بين الطرفين.

وتناولت مقالات وتحليلات سياسية في يونيو 2025 صمت السيسي تجاه قضية المثلث الحدودي، وربطته بـ"حسابات دقيقة" تتعلق بعلاقته بمحمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات.

ووصفت صحيفة الراكوبة السودانية معركة المثلث بأنها بؤرة صراع تعيد رسم خرائط النفوذ الإقليمي، مؤكدة أن سيطرة قوات الدعم السريع على المثلث تمنحها ممرًا لوجستيًا حيويًا يثير قلق القاهرة.

وأضافت أن صمت النظام المصري يعكس رغبة في عدم التصعيد مع الإمارات، التي يُعتقد أنها تدعم حميدتي سياسيًا ولوجستيًا.

وتساءل الكاتب السوداني عمار العركي:

"هل جاء الهجوم على حدود مصر الجنوبية عقابًا على رفضها إغلاق معبر غزة؟"

مشيرًا إلى أن مصر تواجه تحديًا غير مسبوق عند مثلث حدودها الجنوبي، وأن السيسي يتجنب التصعيد العلني لعدم توتير علاقته بمحمد بن زايد.

ونقل موقع الجزيرة نت عن السفير حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، قوله إن العدوان المشترك بين قوات الدعم السريع وحلفائها الليبيين هو محاولة لـ"جر مصر إلى الحرب".
وأشار إلى أن الصمت المصري قد يكون جزءًا من استراتيجية "ضبط النفس"، خاصة أن الإمارات طرف غير مباشر في الصراع عبر دعمها لحفتر وحميدتي.

العلاقة مع البرهان

يرى مراقبون أن تجنّب السيسي ذكر المثلث علنًا ربما جاء لتفادي إحراج حفتر أو البرهان، خاصة أن القاهرة تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع الطرفين، وتفضل إدارة الملف عبر قنوات مغلقة ومحادثات غير معلنة، كما حدث في لقاءات العلمين.

وذكرت تقارير أن محادثات غير مباشرة جرت بين البرهان وحفتر بوساطة مصرية لتهدئة الأوضاع في المثلث الحدودي، وأن تجنّب السيسي ذكر القضية علنًا يهدف إلى تهيئة المناخ لحل دبلوماسي هادئ بعيدًا عن الضغوط الإعلامية.

وأشار المحلل السياسي السوداني مكاوي الملك إلى أهمية استقلال القرار السوداني، محذرًا من النفوذ الإقليمي غير المتوازن، ومرجحًا أن يكون لقاء البرهان – السيسي محاولة مصرية لتثبيت نفوذها في السودان، خاصة في ظل التوتر مع الإمارات بسبب دعمها لحميدتي.

وأوضح أن اللقاء يحمل رسائل مزدوجة: دعم للجيش السوداني، وفي الوقت نفسه محاولة لضبط إيقاع الصراع بما لا يضر المصالح المصرية.

أما الكاتب السعودي عبد العزيز الهندي، فانتقد التحركات الإماراتية في السودان وليبيا، معتبرًا أنها غير منسقة مع المصالح العربية الكبرى.

ورأى أن لقاء السيسي والبرهان يمثل خطوة إيجابية نحو استعادة التوازن العربي في الملف السوداني، بعيدًا عن التدخلات الأحادية.

لتجنّب إغضاب الكفيل

يُستخدم تعبير "تجنّب إغضاب الكفيل" في الخطاب السياسي الشعبي أو النقدي للدلالة على علاقات النفوذ أو التبعية بين الدول، خصوصًا عندما تتجنب دولة ما اتخاذ موقف علني تجاه قضية حساسة خشية الإضرار بعلاقاتها مع دولة داعمة اقتصاديًا أو سياسيًا.

ويرى محللون أن صمت السيسي عن قضية المثلث الحدودي خلال لقائه بالبرهان جاء نتيجة "حساب دقيق" للعلاقة مع الإمارات، التي يُعتقد أنها تدعم قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، ومحاولة لتفادي إحراج محمد بن زايد أو الدخول في مواجهة غير مباشرة معه، خاصة أن الإمارات طرف مؤثر في الملفين السوداني والليبي.

كما أن القاهرة تسعى للحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع جميع الأطراف، دون انحياز علني قد يُفسَّر على أنه تصعيد.

اللقاء مع حفتر

كان السيسي قد التقى بخليفة حفتر وعبد الفتاح البرهان في مدينة العلمين خلال أسبوع واحد في يونيو–يوليو 2025.
وأشارت تحليلات في الصحف والمواقع الموالية للنظام إلى أن هذه اللقاءات جاءت بعد اتهام البرهان لحفتر والإمارات بدعم قوات الدعم السريع في السيطرة على المثلث الحدودي.

وذكرت صحف محلية أن "مصر تسعى إلى تهدئة التوتر بين الجيش السوداني والجيش الليبي لتجنب تصعيد عسكري على حدودها الجنوبية".

وأثارت سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة جبل العوينات مخاوف أمنية مصرية من تهريب السلاح والمهاجرين، فيما حمل توقيت اللقاءات رسائل ضمنية إلى الإمارات، التي يُعتقد أنها الداعم الرئيس لحميدتي، بأن مصر تراقب الموقف عن كثب.

وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه

استقبل السيسي، الخميس 16 أكتوبر، في قصر الاتحادية، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، بحضور الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، واللواء حسن رشاد رئيس المخابرات العامة.

ومن الجانب السوداني حضر محيي الدين سالم وزير الخارجية، والفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير عام جهاز المخابرات العامة، والسفير الفريق ركن مهندس عماد الدين مصطفى عدوي سفير السودان بالقاهرة، واللواء الركن عادل إسماعيل أبو بكر الفكي مدير مكتب رئيس مجلس السيادة.

ناقش اللقاء تطورات الأوضاع الميدانية في السودان والجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار، حيث أكد السيسي على ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، ورفض القاهرة القاطع لأي محاولات تهدد أمنه أو تنال من تماسكه الوطني أو تسعى لتشكيل كيانات موازية للحكومة الشرعية.

من جانبه، أعرب البرهان عن تقديره للدعم المصري المتواصل وجهود السيسي في مساعدة السودان على الخروج من أزمته الراهنة واستعادة الأمن والاستقرار، وفق ما نشرته بوابة الأخبار.