في ظل فشل غير مسبوق بمصر، تتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها سياسات السيسي، وراكمت الديون والأزمات والعجز المالي بالبلاد، وهو ما يعرض مصر لمخاطر ما بعد الإفلاس، ففي الأيام الأخيرة، ظهرت عدة مؤشرات على تقديم دعم للسيسي، وليس إنقاذا لمصر وحلحلة أزماتها، وذلك من قبل الإمارات والسعودية وإسرائيل وحلفائها الغربيين، نظرا لوظيفة نظام السيسي التي يؤديها للأطراف الإقليمية والدولية، حيث تتعالى رغبات أمريكية وإسرائيلية وإماراتية وسعودية بالإبقاء على السيسي الذي لا يشكل لتلك الدول أية مشكلات أو أزمات، ولكن مقابل الدعم المالي الذي يصب بالأساس أيضا في مصالح الداعمين، قيام السيسي بأدوار أخرى لتلك الدول، في الملفات الإقليمية.
وإزاء أزمات ديون خارجية تعدت 165 مليار دولار حلت آجال أقساط كثير منها، مع تراجع دخل البلاد من إيرادات قناة السويس، ومن قطاع السياحة، وتحويلات المصريين بالخارج، بفعل أزمات الإقليم في غزة وجنوب البحر الأحمر، ويعاني اقتصاد مصر أزمات أوصلت المصريين لحالة غير مسبوقة من الغضب، ما قد يهدد عرش السيسي، الهام لدى الخليج والغرب.
ومع تفاقم الأزمة المصرية وخلال الأيام الماضية، بدا أن هناك تحركا دوليا وإقليميا لدعم السيسي مجددا، بعد دعم انقلابه منتصف العام 2013، بنحو 50 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت، وإنقاذه الآن من أية ثورة غضب أو انتفاضة جياع محتملة من قبل 106 ملايين مصري، ومن ضمن الدعم المالي للسيسي بيع رأس الحكمة للإمارات.
فرغم إحجام دولة الإمارات وصناديقها السيادية وشركاتها العملاقة عن عقد صفقات استحواذ على أصول مصرية طوال العام الماضي، أعلن رئيس هيئة الاستثمار في مصر حسام هيبة، الأربعاء، أن تحالف “المجموعة الاستثمارية كونسورتيوم” الإماراتي سيقود تطوير مشروع مدينة رأس الحكمة السياحي “350 كيلومترا شمال غرب القاهرة”، بقيمة استثمارات تبلغ 22 مليار دولار.
وبحسب وكالة “رويترز”، فإن أبوظبي تشارك في المناقشات، وتحتفظ مصر بملكية 20 % من أراضي المنطقة البالغة “180 مليون متر مربع”، تسندها لمجموعة طلعت مصطفى -شركة التطوير العقاري المحلية-، وبعض الهيئات الحكومية المصرية.
ولم تكشف حكومة الانقلاب ولا الإمارات عن تفاصيل الصفقة، فيما قال رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي، الخميس الماضي: إن “حكومته فقط هي المنوط بها الإعلان عن تفاصيل المشروعات الاستثمارية الكبرى.
بيع شركتي “وطنية” و”صافي”
وبالرغم من أنه يجري الحديث عن بيع شركتي “وطنية” و”صافي” التابعتين لجهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش منذ العام 2018، وإعلان مصر في مارس الماضي طرح 32 شركة عامة بالبورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين، تنفيذا لروشتة صندوق النقد الدولي، بينها شركتا الجيش، إلا أن العرض قابله إحجام سعودي إماراتي عن شراء الأصول المصرية، خلال العام الماضي.
لكن يبدو أن هذا الإحجام تحول مؤخرا إلى رغبة عارمة في الشراء، بحسب ما أعلنته وزيرة التخطيط بحكومة الانقلاب هالة السعيد، الثلاثاء الماضي، عن تنفيذ بيع شركة “وطنية” للبترول خلال أيام.
وتتنافس 3 شركات إماراتية وواحدة سعودية هي: “طاقة عربية” و”أدنوك” و”إينوك” و”بترومين” على صفقة “وطنية” التي تمتلك 255 محطة تموين وقود، وتحت الإنشاء 20 أخرى ومخطط وصولها إلى 300 محطة، لكن لم تكشف أية جهة عن حجم وقيمة الصفقة.
عدوة دعم الصندوق
كما أعلنت الوزيرة أن الحكومة ستنتهي من بيع محطات توليد الطاقة من الرياح في “جبل الزيت” قبل نهاية مارس المقبل، وهي المحطة التي جرى بناؤها منذ العام 2015، بقروض من بنوك ألمانية ويابانية وإسبانية.
وبعد غياب صندوق النقد الدولي عن 3 مراجعات لاقتصاد مصر العام الماضي لأجل تنفيذ قرض بـ3 مليارات دولار، تعثرت إجراءاته منذ توقيعه في ديسمبر 2022، حضرت بعثة الصندوق للقاهرة نهاية الشهر الماضي.
وأعلنت أنها حققت تقدما وصفته بـ”الممتاز”، وذلك في إطار زيادة القرض إلى ما بين 10 و12 مليار دولار، بمشاركة شريكين إقليميين هما السعودية والإمارات.
وقدمت السعودية والإمارات والكويت للسيسي، ما مجموعه 39.5 مليار دولار إما نقدا أو على شكل قروض أو مشتقات نفطية ما بين يوليو 2013 و فبراير 2014، في دعم وصل نحو 50 مليار دولار، وفق مقال للكاتب البريطاني ديفيد هيرست، الشهر الماضي، فيما دعمه الصندوق بنحو 12 مليار دولار عام 2016، وتمويل آخر في 2020، بنحو 5.2 مليارات دولار.
رجل المنطقة المريض
ولعل حضور الدعم الدولي، وعودة دول الخليج للاستثمار في مصر واستعادة الطروحات المصرية بريقها لدى الخليجيين، الذي يذكر بدعمهم السابق لنظام السيسي، يدفع للتساؤل، هل اجتمع شركاء السيسي على بث قبلة الحياة في نظامه، أم أنهم يستغلون الظرف للحصول على مكاسب وأصول وأراض وصفقات بثمن بخس وفرض لشروط جديدة ومجحفة تزيد من أزمات المصريين؟
ووفق تقديرات استراتيجية، فإن الأحداث الأخيرة أكدت أهمية السيسي، لدى إسرائيل وأمريكا والخليج، خاصة السعودية والإمارات، ولذا فإنه من الطبيعي ألا يتركوه يسقط ولن يتوانوا في أن يعطوه قُبلة الحياة، إلا لو هناك البديل، أو أثار هو أزمات معهم، وهو ما لم يحدث.
كما أن الإمارات تحرص على التعاون الوثيق والتنسيق الدائم مع مصر السيسي، كونهم شركاء الجمهورية الجديدة التي قامت مع 3 يونيو 2013، ومن أوائل داعمي النظام الحالي، ولدى الإمارات خطة استراتيجية بشراء أصول مصرية والسيطرة عليها في الوقت الذي تحظى فيه بشراكات هامة مع إسرائيل.
ولعل مخاطر عدة تتهدد الأمن القومي المصري، مثل “شراء معامل البرج والمختبر والسيطرة على 90 % من التحاليل والسجلات الطبية للمصريين، كما أن التوسع الكبير للإمارات في مصر عبر إدارة بعض الموانئ، وشراء شركات الأسمدة، وشركات التمويل مثل “فوري” وشركة “القلعة” من رجل الأعمال أحمد هيكل، يأتي ضمن الاستحواذات بثمن بخس، يقبل به السيسي لتمرير ضائقته المالية.
ويرى خبراء أن هدف الغرب وإسرائيل والشركاء الخليجيين لابقاء وضع مثر كرجل المنطقة المريض، فن يتركوها تغرق كالصومال ولن يتركوها تنهض ايضا كتركيا، وهو وضع مؤقت لن يدوم طويلا شلل النظام الذي يدير مصر وسيجر وراءه الكثير من الأزمات المجتمعية الشاملة، التي قد تفشل الموازنات والمعادلات الغربية والخليجية.